هل للغيبة استثناءات؟
الجواب: معروف أن الغيبة – وهى ذكرك أخاك بما يكره وإن كان فيه – محرمة ، والنصوص فى ذلك كثيرة ، إلا أن العلماء استثنوا من ذلك أمورا جعلها الغزالى ستة :
1 – التظلم عند شكوى الظالم إلى القاضى يذكر عيوبه التى أدت إلى ظلمه مثل خيانة الأمانة وأخذ الرشوة ، وذلك لحديث “إن لصاحب الحق مقالا” رواه البخارى ومسلم وحديث “مطل الغنى ظلم ” رواه البخارى ومسلم وحديث “لَىَّ الواجد يحل عقوبته وعرضه ” رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه بإسناد صحيح . وحل العرض معناه الكلام عنه بما يكرهه .
2- الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصى إلى منهج الصلاح ، كما روى أن عمر رضى الله عنه مر على عثمان -وقيل على طلحة- رضى الله عنه فسلَّم فلم يرد السلام ، فذكر ذلك لأبى بكر رضى الله عنه . فأصلح الأمر، فذكر عمر لأبى بكر أن عثمان لم يرد عليه السلام يكرهه عثمان ، ولكن عمر أراد الإصلاح فتدخل أبو بكر لذلك ، وكذلك لما بلغ عمر رضى اللّه عنه أن أبا جندل قد عاقر الخمر بالشام ، فكتب إليه أول سورة غافر فتاب ولم يَعُدَّ ذلك عمر ممن أبلغه غيبة، لأن القصد من ذلك النصح والإصلاح والأعمال بالنيات فإن قصد التشهير أو غير ذلك كان حراما .
3- الاستفتاء كما يقول الإنسان للمفتى ظلمنى فلان فكيف الخلاص ، قال الغزالى : والأسلم التعريض بأن يقول : ما قولك فى رجل ظلمه أخوه ، وإن كان التعيين مباحا بقدر الحاجة ، دليله أن هند زوجة أبى سفيان شكت للنبى صلى الله عليه وسلم أنه رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها وولدها ، فهل تأخذ منه بغير علمه ، فأذن لها النبى أن تأخذ بالمعروف ، رواه البخارى ومسلم فلأن النبى لم يزجرها لا يعد ذلك غيبة .
4- تحذير المسلم من الشر، كتحذير إنسان طيب من التردد أو التعامل مع فلان الشرير، وذلك للنصح ، فلا يأثم بذكر مساوئ فلان بالقدر الضرورى ، فإذا قصد الطعن أو التشفى أو الحسد كان حراما ، فالأعمال بالنيات ، ومثل ذلك الاستشارة فى الزواج وإيداع الأمانة ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم “أترغبون عن ذكر الفاجر؟ اهتكوه حتى يعرفه الناس ، اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس ” رواه الطبرانى وابن حبان فى الضعفاء، يقول الغزالى : وكانوا يقولون : ثلاثة لا غيبة لهم ، الإمام الجائر والمبتدع والمجاهر بفسقه .
5- أن يكون الإنسان معروفا ، بلقب يُعرب عن عيبه ، كالأعرج والأعمش ، فلا إثم على من يقول : قابلت الأعمش أو الأعرج إذا كان معروفا . لأن صاحبه لا يكره أن يذكر به لتعوده ، وإن كان الأفضل التعبير عنه بعبارة أخرى يمكن أن يعرف بها ، ولذلك يقال للأعمى : البصير عدولا عن اسم النقص .
6- أن يكون مجاهرا بالفسق كالمخنث ومدمن الخمر ولا يستنكف أن يذكر به ، ففى الحديث “من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له ” رواه ابن عدى وأبو الشيخ بسند ضعيف .
وقال عمر رضى الله عنه : ليس لفاجر حرمة، وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر “الإحياء ج 3 ص 132 ” الزواجر لابن حجر ج 2 ص 15 ، الأذكار للنووى ص 338” ويؤخذ من هذا أن حديث “لا غيبة لفاسق ” حديث منكر أو ضعيف النسبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان الحكم صحيحا على الوجه المذكور .